Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

انهيار السلطة ...فزاعة حقيقية أم  فرصة تاريخية؟! 

ثابت العمور

جلبة في المقاطعة برام الله حركة كثيفة؛ ثم تحط طائرة مروحية قادمة من عمان، تغادر بسرعة لا يعلن عن السر الكوني في قدومها أو مغادرتها، ثم تبدأ التسريبات رئيس السلطة بخير لكنه يريد إجراء فحوصات طبية دورية، تبدأ وسائل الإعلام بالتقطير تارة ثم بالاجتهاد تارة أخرى، الإعلام العبري يدخل على الخط وتبدو روايته منطقية لحد ما وان كانت منقوصة.

 رويدا رويدا تختفي الجلبة يعود الناس لحياتهم الطبيعية.هذا ليس سيناريو مستبعد وقد تحققت بعض إحداثياته والسؤال ترى لو تكرر هل يُعلن انهيار السلطة باعتبار أننا أمام حالة بات فيها رئيس السلطة هو رئيس كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في سلطة بات واضحا أنها تفتقر لكل مقومات السلطة والسيادة.

انهيار السلطة ليس سيناريو متوقع بل انه متحقق وشواهد ذلك عديدة فإن كان الهدف من السلطة بمعنى السيادة فهذا مفتقد وان كان التواصل الجغرافي بين إقليمها فهذا منعدم وان كان حفظ الأمن فشواهد الفلتان الأمني اكبر وأكثر من أن تعد وتحصى وما حدث في جنين منذ يومين نموذج مصغر؛ وان كان الوضع الاقتصادي فالأزمة المالية طرقت الأبواب حتى نالت من التنمية الاجتماعية وحرمت مستحقي الشؤون من دعم السلطة الغائب طوال العام، وان كان سياسيا فرهنات السلطة على إدارة جو بايدن أفضت لصفر كبير؛ حتى التسوية الحبل السري للسلطة نشأة وحياة وبقاء لم يفضي رحيل نتنياهو وقدوم بينت إلى تحريكها مطلقا وان تحركت فنتائجها لن تعيد الحياة للسلطة؛ وان كان شرعيا أو استحقاقا سياسيا فالسلطة منتهية الصلاحية والشرعية والمجلس التشريعي كأن لم يكن والانتخابات بدلا من تفضي لاستقرار سياسي وتحول ديمقراطي باتت مطلبا بعيد المنال وبعبعا لا يريد احد الاقتراب منه. وبالتالي فإن فزاعة انهيار السلطة والسلطة منهارة ليس سيناريو بل أمر واقع ومتحقق.

أما إذا كان المقصود بانهيار السلطة غياب رئيسها عن المشهد والقرار لسبب ولآخر فهذا مقتضيات قراءته مختلفة وهو بحاجة لوقفة ولاستدعاء كافة السيناريوهات الآن وليس في اليوم التالي لرحيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. 

قبل الانتقال لاستدعاء سيناريوهات اليوم التالي والإجابة عن الأسئلة المشروعة تاليا؛ يحضر السؤال التالي ما هي حيثيات القراءة الإسرائيلية لسيناريو انهيار السلطة؟، تجيب المحاضرة والباحثة الإسرائيلية رونيت مرزن التي شغلت مناصب رفيعة في جهاز الشاباك على مدار 19 عام، ومن قبله في جهاز الاستخبارات العسكرية أمان من عام 1958 حتى العام 1993، في لقاء أجرته معها صحيفة هآرتس بأن انهيار السلطة بات قريبا، بل وتؤكد بأن الانهيار سيبدأ من جنين وسيتدفق الناس نحو مقر المقاطعة في مدينة رام الله. واصفة الرئيس محمود عباس بأنه "حصانٌ ميت"، ومدعية أنه يبني منزلاً في الأردن ويبدو أنه سيذهب إليه.

في اليوم التالي لما قالته رونيت مرزن كان رئيس الشاباك رونين بار يحذر خلال عرض التقدير الاستخباراتي السنوي أمام المجلس السياسي والأمني المصغّر "الكابينيت" من انهيار السلطة الفلسطينية جراء أزمتي النقد والسيطرة، ويتفق معه وزير التنمية الإقليمية في حكومة الاحتلال عيساوي فريج بأن الوضع في السلطة الفلسطينية "على وشك الانهيار"، وعليه قرر هو ووزير الأمن بيني غانتس لقاء أبو مازن لاستدراك ما يمكن إدراكه ،بينما يصف جلال بنا في صحيفة إسرائيل اليوم "مستوى التوتر والاحتكاك بين الجمهور الفلسطيني، ولا سيما أبناء الجيل الشاب وقوات الأمن والشرطة الفلسطينية آخذ في الارتفاع، وقد يتفجر في كل لحظة، ويؤدي إلى مواجهات حادة، بل وإلى انتفاضة فلسطينية داخلية تكون صيغة الربيع الفلسطيني". مضيفا أنه في نظر معظم الجمهور الفلسطيني، ليست السلطة أكثر من جهاز أمني مهمته مزدوجة: التنسيق الأمني مع إسرائيل، والحفاظ على حكم أبو مازن. ويقول:" ليس بعيداً اليوم الذي نرى فيه ثورة شعبية قد تؤدي إلى إنهاء حكم أبو مازن، مثل حكام عرب آخرين".

عطفا على سلف من قراءات إسرائيلية متعددة المستويات وفي ظل مؤشرات ودلائل قوية على الأرض تؤكد كلها بأن انهيار السلطة وشيك، وان كنا نتفق مع ذلك إلا أننا نختلف مع التبعات والتداعيات عندما يعلن رسميا انهيار السلطة وهذا مرتبط بحدث غياب رئيسها محمود عباس لأن الانهيار متحقق بينما الإعلان عنه رسيما مرتبط بلحظة وساعة الغياب.

انهيار السلطة الذي وصفته وسائل الإعلام العبرية "بسيناريو الرعب" يقتضي إجابة فلسطينية حقيقية وموضوعية لا تتعلق بورثة السلطة وحزبها الحاكم، كما أنها لا تتعلق بالجرأة على طرح سيناريو تسليم مفاتيح السلطة مثلا للاحتلال هذا سيناريو لن يحدث لأن بقاء البعض من رجالات السلطة مرتبط ببقائها وسنجد من يقفز للمشهد بل إن بعض تقديرات الموقف وبعض السيناريوهات ذكرت وتوقفت عند أسماء بعينها وقالت بأن واحدا من هذه القائمة هو المرشح للإقامة في المقاطعة في اليوم التالي لغياب أبو مازن، وبعض هذه الأسماء يُصنع على عين واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم العربية. وسيناريو ما بعد رحيل ياسر عرفات لا زالت الذاكرة تحفظه.

إن إحداثيات المشهد الفلسطيني في اليوم التالي لإعلان لحظة انهيار السلطة تقتضي الإجابة على مجموعة تساؤلات أولها هل حركة فتح جاهزة تنظيميا وشعبيا وسياسيا لاستلام زمام السلطة واستحقاقاتها؟، هل هناك اتفاق في أروقة الحركة على من سيتولى منصب رئيس السلطة؟. 

ماذا لو تقرر الذهاب للانتخابات الرئاسية والتشريعية كاستحقاق لا بد منه داخليا وخارجيا، هذا السيناريو لأن بعض الروايات تقول بأن من يعطل إجراء الانتخابات هو محمود عباس، فهل نذهب بعد غيابه للانتخابات؟، ما بين القفز للمنصب وإجراء الانتخابات إن تقرر إجرائها من سيقود المرحلة الانتقالية من هي الشخصية الفلسطينية التي تمتلك الشرعية القانونية والسياسية والشعبية والكارزيما اللازمة والواجبة لإدارة الشأن العام، بل وقادرة على فض الخلافات إن حصلت بين قادة الأجهزة الأمنية والأهم تحظى بموافقة ومباركة وقبول واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوروبي والعواصم العربية والفصائل الفلسطينية. هل استحضرت الأطراف المعنية هذه الشخصية وسمتها أم أن الجميع ينتظر من سيقفز للمنصب ثم تبحث في الأمر.

سأستحضر هنا مشهد المرور لما بعد لحظة الغياب ولنستدعي التفاؤل والتشاؤل معا؛ وأما التفاؤل فهو أن نذهب إلى أن كل الأطراف الفلسطينية "اتفقت" وتجاوزت اللحظة ومرت بسلام من المرحلة الانتقالية واتفق الجميع على الذهاب للاحتكام إلى الإرادة الشعبية والى صناديق الاقتراع، والسؤال ماذا لو فازت حماس مرة أخرى بالأغلبية في الانتخابات التشريعية؟؛ والأهم ماذا لو قدمت مرشحا عنها أو مقربا منها للانتخابات الرئاسية وفاز؟. 

وأما التشاؤل ماذا لو قررت الإرادة الشعبية محاسبة كل الأطراف الفلسطينية، وحدث سيناريو مقاطعة الانتخابات؟. هناك قراءة تستبعد المقاطعة الشاملة وتقول بأن اقتصاد الناس ارتبط بوجود السلطة وببقائها لأن السلطة تغطي رواتب لحوالي 200 ألف موظف مدني وعسكري وانهيارها يعني أن مصير هؤلاء بات مجهول. وهذه قراءة حقيقية وموضوعية ولكنها ليس كاملة لأنها تعني ببساطة أن وجود السلطة والأصل فيها هو تغطية الرواتب، وهذا ما فعلته السلطة وثبتته ولم تقم بأي دور آخر غير ذلك. بل إن الأطرف التي تجمع على أن انهيار السلطة وشيك كلها تختصر الدعم المقترح للسلطة بالدعم المالي فقط وترى أن  أزمة السلطة الفلسطينية أزمة مالية فقط.

فهل يؤدي الإعلان عن انهيار السلطة إلى تغيير وظيفتها دون المساس بالرواتب التي بالمناسبة باتت سوطا وجزءا من العقوبات وأداة سياسية أكثر منها واجب على السلطة وحق للموظف. واقصد أن تقوم السلطة بدورها كأي سلطة سياسية أرضها وشعبها لا زال تحت الاحتلال ليس بالضرورة بموجب مقتضيات قيام هذه السلطة وإعلانها الاشتباك من مسافة صفر ولكن وظيفتها في حماية الجبهة الداخلية وظيفتها في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وظيفتها في العدالة الاجتماعية وظيفتها في إنهاء جريمة التنسيق الأمني وظيفتها في الاقتراب من مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية لا سيما مكون المقاومة.

 إن انهيار السلطة الوشيك قد يكون فرصة فلسطينية تاريخية وحقيقية لإعادة تعريف السلطة ووظيفتها وتصويب سلسلة الأخطاء والخطايا التي مرت وحدثت على مدار عمر السلطة التي ابتلعت منظمة التحرير الفلسطينية وأذابت حركة فتح وأفضت لانقسام فكك الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرير وطني وانتهت إلى ما هي عليه اليوم.